الأحد، 8 يوليو 2012

انامل منسية (3) الاخيير




* الكوابيس ليست امر سئ أو مخيف بالضرورة ..فهى بالاصل احلام غاضبة و حزينة من شئ ما ..ربما ان احتوينا غضبها و كففنا دموعها ستعود وديعه كما تعودنا..!

كانت المدام بمنتهى القسوة مع امى تخاطبها بلهجة متعاليه و كانت امى طريحه الفراش تتحدث بصعوبه و ترتعش اوصالها ..صاحت المرأة باننا تأخرنا فى موعد تسليم الاثواب و عليها الان ان ترد الاموال الى صاحباتها بل و تعوض الاخريات..تأسفت امى لها و كادت ان تبكى و هى تستجديها ان تساعدنا و اننا سنعمل بلا مقابل ان لزم الامر لنعوضها..هدأت الملعونة بعد ان اطمئنت اننا سنصبح كعبيد لديها قالت:
ـ لا يكفى.. اريد ندى لتعمل لدى بورشتى .
نظرت لى امى نظرة شفقة واستجداء
فقلت :
ـ لا مانع لدى .. كم سيكون راتبى ؟
ردت بسخرية :
ـ ردى دينكم اولا .
و خرجت من غرفة امى المريضة و هى تتحدث بعصبية
ـ ابدئى العمل من الغد .
لكنها توقفت كالصنم امام غرفتى و اخذت تقترب بخطوات بطيئة، اطاحت بباب الغرفة الذى كان نصف مفتوح قالت
ـ ما هذا الفستان ؟!
رددت :
ـ انه فستانى.. صنعته بنفسى.
سألت و عينها ما تزال معلقه بتفاصيله
ـ حقا ؟ بكم تبيعيه؟
ـ لا ابيعه ..انه فستان زفافى اصنعه لارتديه .
ـ اسمعى  يا ندى .. ما رأيك ان اؤجره لبعض زبوناتى لتسددا دينكما؟
رددتها بحزم
ـ اسفه.
امسكت بيدى تضغطها بشدة قالت:
ـ غبية .
ذهبت المرأة وصفقت الباب ورائها ، سمعت صوت نداء امى ..كانت حزينة و ترفض عملى و شعرت من عباراتها انها تحبذ بيع فستانى حيث انهت حديثها
ـ بيدكِ ان تتخلصى من تلك المرأة الكابوس.

منذ الصباح حتى المساء و انا اعمل تهتكت اوصالى و اصبحت منهكه تماما جسدا و روحا ..و لا استطيع ان الوم احد  لانها قوانين العمل . كنت عائده من العمل بنهاية النهار فصادفته بمطلع شارعنا..ابتسم لى فبادلته الابتسامة
سالنى عن الحال ،فاجبت بحمد ربى ، ابطئ و مشى بمحاذاتى فاسرعت بخطواتى و سبقته .. ندمت كثيرا على اننى فوت فرصة الحديث معه و انبت نفسى على قسوتها على قلبى،  فيا ليتنى بقيت ولو دقائق اضافية انظر الى عينيه ،اقسم ان له نظرة مخدرة لم اكن اعلم قبلها ان عيون الرجال تسحر و تخطف الالباب و الافئدة و كنت اظنها صفة قاصرة على النساء ـ آه لو تكن عيناك لى وحدى لافنيت عمرى اقبلهم و احتسى منهما الخمر و العسل ـ
 لكنى استفقت من التمنى و نبهت عقلى إلا يجب ان انسى مكانى بالخريطة .
كانت امى بالمطبخ تعد الطعام ..تطمئنت على صحتها و تركتها سريعا قبل ان تسألنى كيف كان يوم فاضطر ان اكذب

 *سقطة قوية ادت الى هبوط حاد فى الكبرياء وشرخ مؤلم بالفؤاد..

فستانى خفيف كالنسمة، نقى كالثلج، ناعم كالهواء...قمت بحياكته وبقلبى فرحة نائمة تنتظر فى البرج،
صنعته طبقة من الستان الرقيق و فوقها طبقة من الاورجانزا الحريرية مزينه بالوردات المتطايرة و بالماسات اللؤلؤيه التى تشع بريقا فضيا.. و جعلته بلا اكتاف يحدد الصدر بشكل القلب ..و تفننت فى تغطية الاكتاف بشال رقيق من الدانتيل الذى طرزته بالخطوط الذهبية المفضضه حين ينسدل الشال للخلف تتجمع ثنياته كأجنحه الفراشة..و تكتمل روعته باتساع تنورته كالاميرات و بخلاف لهذا صنعته بحب لذلك لا احد يقاوم سحرهما .. الفستان و الحب .
دخلت غرفتى بعد ذاك اليوم المرهق الطويل.. هدفى الاول المنشود هو فراشى القيت نفسى عليه و للحظة شعرت ان هناك شئ ناقص بالغرفة ـ شئ اعرفه ـ هى اللحظة الفاصله ما بين التصديق و التخوف ... ركضت اصرخ 
ـ امى اين الفستان ؟
صمتت امى و اشاحت بوجهها عنى ،امسكت ذراعها  و انفاسى تتقطع على وشك الانتحاب ..هززت ذراعها بعنف:
ـ اخبرينى ..
قالت:
ـ جاءت المدام ظهرا و كان مصممه على شرائه ..قالت انها ستعفيكِ من العمل و انه سداد لديننا ..كما اعطتنى هذا المبلغ .
نظرت الى المبلغ بيدها كان ورقتين من فئة المئة ... أهذا هو ثمنى ؟ بيعت احلامى بورقتين..  تأرجحت الارض تحت اقدامى و الدموع تجرى على وجنتاى و لا اشعر بها فقط اشعر بنار متأججه بصميمى ..لم يكن مجرد قطعة قماش خاطتها اناملى .اردت ان اصرخ و ان احطم الاشياء على رأس الجميع ..لكنى اكتفيت باغلاق باب غرفتى و الصمت  ، وضعت رأسى اسفل وسادتى واخذت ابكى حتى بح صوتى و تورمت عيناى  و نمت من شدة الارهاق ..


*إن قابلت شخص قد عاد من السفر بعد غياب طويل..فلا تفوت فرصة سؤاله
 ( لما عدت؟).. حتما ستجد حكمة فى الاجابة.

مر الان قرابة الاسبوع و انا حزينة فى صمت ،حبيسة غرفتى حبيسة نفسى ..اخيط الملابس بصمت و عينى سابحة فى فضاء الاشياء لا تنظر لشئ محدد وان كانت تراه ..دخلت امى بصمت وضعت امامى ذاك المبلغ المالى ذاتة و قالت انه حقى وكان الشئ الوحيد منذ فترة الذى انظر له بعمق و تفحص ..الكلمة تتردد فى اذنى ..عن اى حق تتحدث ! وددت ان اسألها لكنها كانت قد تسللت من الغرفة فى صمت و انا سارحة بتأملاتى.. سمعت صوت كان قد غاب عنى منذ فترة انها خطواته و صوت مفاتيحه برنتها المعهودة اسندت ظهرى الى الجدار و انا اراقب ظله يلامس عتبه بابى ولكنى لم امد يدى المسه هذة المرة ..

بالصباح الباكر ارتديت ملابسى .. ووقفت امام المرآه ارفع شعرى حررت بعض الخصلات و ربطت ما تبقى بشريطة زهرية ووضعت فوقهم جميعا حجابى لففته بطريقه غير محكمة .. بحثت عن قلادتى بين اشيائى فلم اجدها  و لكن لا يهم فلا شئ يحثى على ان اكون بكامل اناقتى اليوم .. هكذا حدثت نفسى خرجت من دون اخبار امى نظرت الى الركن الشجى الذى لطالما ضم فستانى الابيض و براءة روحى ..توجهت و لم اكن حينئذ اعلم وجهتى لكنى علمت حين وصلت ..
ـ مساء الخير يا مدام
ـ  اهلا
ـ لقد باعتك امى الفستان دون علمى و اريد استرجاعه
ـ لا فقد اشتريته و اصبح ملكى
ـ يمكنك ان تمتلكيه فقط ان عرفتنى كم حبه خرز زينته بها؟.. كم نقطة عرق سقطت من جبهتى سهوا وانا اخيطه ؟
من اين جمعت خيوطه؟ ..كيف رسمت تصميمه على جدار غرفتى؟
ـ انا املكه بمالى و ان كنتى تحتفظين بتصميمه فاصنعى آخر .
ـ لا انا اريد هذا ..تفضلى نقودك
ـ اذهبى من هنا يا فتاة قبل ان القيكِ خارجا

دخلت احدى العاملات تقاطع حديثنا الذى كان قد انتهى و تخبرها بان احدى الزبونات عاليات الشأن
ـ و لا شك الربح ايضاـ قد جاءت فانتفضت من مجلسها ترحب بالزبونة .. و همست لى بصوت خفيض و هى تضغط على اسنانها ..اذهبى .

خرجت كالمنومة مغناطيسيا امشى بخطوات بطيئة و افكر ..سمعت صوتها و هى تتحدث بترحاب شديد تتصنع الفرحة و هى تبارك لزبونتها على اقتراب زفافها ..ثم توقفت انفاسى وانا اسمعها تقول ..لدينا اثواب جديدة

خطوت بخطوات مستقيمة لا تحيد عن الهدف نحو غرفة العرض ..دخلت اتفحص سريعا الاثواب المعروضه ثم وقعت عينى عليه بالمقدمة  .. وحيدا يصنع له تفردا عن باقى الاثواب يكاد يطير باجنحته التى تعكس الاضوضاء  تارة فضيه مذهبة وتارة ذهبية مفضضة ..كدت اضمه الى صدرى  لكنى بثبات ثنيته على ذراعى ووضعت كفى الاخرى عليه كأنى اطمئنه ..خرجت و انا مبتسمه ابتسامة لا حيلة لدى لاخفيها ..
عدت الى منزلى .. صعدت درجات السلم فوجدت من ينادينى و انا على اعتاب بابى
ـ صباح الخير يا ندى
ـ صباح النور أستاذ محمود ..اراك تأخرت عن موعد عملك
ـ لا لقد ذهبت الى المحطة ثم عدت ..
ـ لما عدت ؟
ـ لانى نسيت ان اسقى نباتاتى ..
ـ حقا، اصبحت تتذكرها ..!
ابتلعت كلماتى بعد ان ذل لسانى و تلفظ بما يوحى اننى اعلم بامر نباتاته فلو كان يملك ادنى مستويات الذكاء او الملاحظة لعلم الان اننى اسقيها .. لكنه ابتسم و قال:
ـ جميل هذا الفستان اهو لك ؟
ـ اجل صنعته بنفسى
نظرت الى ساعة يده :
ـ عن اذنك ..يبدو اننى تأخرت كثيرا.
ـ حسنا مع السلامة
استدرت ابحث عن مفتاحى بحقيبى يدى فوجدته خلفى يمد يده بشئ مبتسما و يقول ..
ـ اعتقد ان هذة القلادة تخصك ..وجدتها بجوار النباتات .
 --------

تمت 
حورية 




هناك تعليقان (2):

  1. روعة
    مفيش أجمل من أحلامنا اللى بنحاول بكل ما نملك حتى لو كان قليل اننا نحقهها
    تحياتى لاحساسك وابداعك

    ردحذف
  2. جميله اوووووى
    كفايه اننا هنوصل لاحلامنا فى النهايه

    دمتِ مبدعه :)

    ردحذف